كيف يمكن للتعليم في مجال الحقوق القانونية أن يبني جسوراً بين اللاجئين السوريين والمجتمعات اللبنانية المحلّية؟
بعد ظهر يوم من الأيام في البقاع الغربي في لبنان، توجّهت مجموعة من الرجال السوريين والنساء السوريات إلى مركز مجتمعي في المنطقة.
فقد برزت توترات طويلة المدى في سهل البقاع، حيث استقر العديد من اللاجئين السوريين، ضمن المجتمع المحلّي الذي يعاني أصلاً من مستويات عالية من الفقر والتهميش. فقد أدّت عوامل الشحّ في الموارد والبطالة والتوزيع غير المتكافئ للخدمات والمساعدات إلى مظالم وتصوّرات سلبية بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم. وجاء الإنكماش الإقتصادي في لبنان منذ شهر أيلول/سبتمبر من العام 2019 ليؤثّر سلباً أكثر فأكثر على الفئات المستضعفة، بما فيها المجتمعات اللبنانية المحلّية ومجتمعات اللاجئين السوريين فيما تسعى كلتاهما لتدبُّر معيشتهما. وإن هذا يزيد من مشاعر الإستياء والإحباط بين اللبنانيين المستضعفين الذين ينظرون إلى اللاجئين السوريين على أنهم يتلقون المساعدة بينما هم لا يزالون يعانون من قلة فرص الوصول إلى الخدمات الأساسية والوظائف ذات الأجور المنخفضة. وقد تجلّى ذلك في زيادة التوترات المبلَّغ عنها في أنحاء مختلفة من لبنان، بما فيها البقاع، وارتفاع منسوب المخاوف بين اللاجئين السوريين من الإجراءات الأكثر تقييداً التي تستهدفهم، بما في ذلك حظر التجوّل، وعمليات التوقيف والإعتقال، وكذلك عمليات الإخلاء التي يقوم بها الملّاك بسبب عدم قدرة هؤلاء على دفع الإيجار.
جاء أحمد * وسوريون آخرون اليوم لحضور جلسة توعية قانونية لكي يفهموا وضعهم القانوني وحقوقهم بشكل أفضل في البلد المضيف لهم وتأثيراته على عائلاتهم، وهذا جزء من مشروع حوار أوسع تم وضعه للحدّ من هذه النزاعات المجتمعية.
المشورة حول الحقوق القانونية للاجئين السوريين
يقول أحمد، وهو لاجئ يبلغ من العمر 32 عاماً من سوريا: “نأتي إلى هنا لحضور جلسات توعية تركّز على القضايا القانونية ذات الأهمية القصوى بالنسبة إلينا. أنا أقدّر كل ثانية أقضيها هنا، فهي تتيح لنا أن نتلقّى إجابات مباشرة ومفيدة من خبير قانوني بشأن القضايا التي تهمّنا حقّاً مثل الإقامات وتصاريح العمل والأحوال الشخصية. هذا هو نوع الدعم المصمَّم خصّيصاً الذي نحتاجه بالفعل”.
تدير الجلسات مجموعة البقاع للحوار التي يموّلها قسم الأمن البشري في السفارة السويسرية في بيروت. فتجمع المجموعة نشطاء في المجتمع المحلّي لتبادل خبراتهم وتجاربهم، من أجل معالجة مخاوف اللبنانيين والسوريين معاً، وقيادة مبادرات مثل جلسات التوعية القانونية هذه، وتعزيز التفاهم وبناء العلاقات بين المجتمعات المحلّية.
منذ العام 2016، تعمل مجموعة الحوار على تحسين العلاقات بين المجتمعات المحلّية وقد دعمت الناس لإبداء همومهم بشأن الوصول إلى الموارد والتوظيف والخدمات، ومناقشة التوترات، وتطوير طرق لمنع العنف.
المحامي محمد عراجي هو جزء من مجموعة الحوار وقد قاد جلسة التوعية القانونية هذه. “خلال هذه الجلسات، نحن نحرص على أن نتعامل مع كل حالة على حدة، وذلك لتحقيق أقصى استفادة من الدعم الذي يمكننا أن نقدّمه. كما نحرص على تذكير الحاضرين، طوال الجلسة، بأننا ندعمهم لتنظيم أمور إقامتهم أو أحوالهم الشخصية في لبنان من أجل تخفيف حدّة أي نوع من التوتر مع السلطات اللبنانية والمجتمعات المحلّية المضيفة أثناء انتظار عودتهم إلى سوريا. من المهم التأكيد هنا على أننا نركّز في هذه الجلسات على المعلومات والحقوق القانونية. فيحرص الميسِّرون على عدم منح أي شخص الفرص لتسييس جلسات المشورة حول قضايا عودة اللاجئين إلى سوريا”.
تعزيز الإستقرار الإجتماعي
ينصبّ التركيز الأساسي لجلسة التوعية القانونية على تعزيز الإستقرار الإجتماعي من خلال تمكين اللاجئين السوريين من التحكُّم أكثر بوضعهم القانوني وإطلاعهم عليه. يتم ذلك عن طريق خلق مساحة آمنة للحوار، وتوفير معلومات حسّاسة ومهمّة للغاية، ومشاركة وجهات النظر المختلفة والقصص والتجارب دون خوف من التداعيات. علاوة على ذلك، تم اختيار تقديم جلسة التوعية القانونية بناءً على طلبات المشاركين السوريين. فقد قدّروا، بشكل جماعي، أنهم يفتقرون إلى المعرفة فيما يتعلق بوضعهم القانوني وأنهم يريدون تغيير واقع الحال.
يقول أحمد: “منذ أن جئنا إلى لبنان، طرأت تغييرات وتحديثات على القوانين والقرارات التي تتناول وجودنا في المجتمع المحلّي المضيف بشكل مستمرّ. وتؤثّر القوانين مباشرةً على كل شيء – تصاريح العمل والإقامة وحتى تسجيل الزواج! نحن بحاجة إلى الحصول على المعلومات المناسبة والكافية لفهم موقفنا في مجتمعنا الجديد. إن المزيد من سوء الفهم سيخلق فجوة بين المجتمعَيْن اللبناني والسوري”.
رؤى*، لاجئة من سوريا تبلغ من العمر 28 عاماً وأم لثلاثة أطفال تقول: “من خلال حضور الجلسات، فهمت أنه تم تحديث إجراءات تسجيل المواليد للاجئين السوريين في لبنان. وبالتالي، كانت التفاصيل حول آخر مولود لي بحاجة إلى التغيير، خاصةً إذا اضطررنا إلى زيارة سوريا من وقت لآخر للإطمئنان عن والدتي “.
تقول رؤى: “كان للعيش في النزوح أثر كبير علينا. في بعض الأحيان، لا أعرف من أين أبدأ وإلى أين أذهب ومَنْ أسأل. وهذه الجلسات تدعمني لتحديد خياراتي ومعرفة أين يجب أن أستثمر وقتي وجهودي تحديداً. في بعض الأحيان، نغرق في سيل من البيانات غير الصحيحة وغير الدقيقة، ونتمنّى فقط أن يسمعنا شخصٌ منفتحٌ وصبورٌ مثل السيد عراجي وأن يوجّهنا لكي نسلك الطريق الصحيح. قد لا يبدو هذا مهمّاً جدًا للآخرين، ولكنْ بالنسبة إليّ، فهو ضرورة تماماً كما الطعام والماء”.
يقود هذه الجلسات أخصائيون من مجموعة حوار البقاع يقدّمون خدماتهم وخبراتهم مجاناً في محاولة لدعم المجتمعات المحلّية المستضعفة، مثل محمد عراجي. وتضمّ مجموعة حوار البقاع أشخاصاً من كافة الخلفيات، بما في ذلك النشطاء الإجتماعيين والقادة الروحيين والمحامين وممثّلي البلديات والأحزاب السياسية والصحفيين. وتوفّر منظمة إنترناشونال ألرت فرصاً للمجموعة للالتقاء بشكل متكرر في سبيل خلق مبادرات بناء سلام مثل جلسات التوعية القانونية. فتستمرّ خبرة وثروة المعرفة لدى أعضاء المجموعة في الجَمْع بين السوريين واللبنانيين لتبادل الآراء ودعم الإستقرار الإجتماعي.
*لقد تم تغيير الأسماء لحماية خصوصية المشاركين.