من موقعي هذا: "إنَّ الوساطة بالنسبة لي هي بناء السلام على نحو سلمي. وبفضل هذه المبادرة، أصبحتُ أدرك تماماً ما هي العناصر الرئيسية المجتمعيّة والفرديّة التي تتطلبها الوساطة"

كوزيت نخلة هي إختصاصية في العمل الإجتماعي في التاسعة والأربعين من العمر، وهي مسؤولة مكتب التنمية المحلية في بلدية الشيّاحلقد كرّست كوزيت نفسها لتعزيز السلام في مجتمعها، وهي تقوم بذلك بفضل مهارات الوساطة التي اكتسبتها حديثًا من خلال التدريب المعتمد الذي توفرّه “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” وشركاؤها: المركز المهني للوساطة في جامعة القديس يوسف (CPM-USJ) ومنظمة إنترناشونال ألرت.

تم نشر هذه القصة في الأصل على موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة في لبنان

كوزيت نخلة. تصوير: لورين روني.

“إن لم تخني الذاكرة، لطالما كنت متحمسة للعمل الاجتماعي. ولقد غُرِسَتْ بذور هذا الشغف في داخلي عندما كنت لا أزال في الثامنة من عمري، حين انضممتُ إلى أخويّة الفرسان والطلائع في رعيتي، ثم التحقتُ في ما بعد بجمعية بيت العناية الإلهية «Maison de la Providence». إثر انضمامي لهاتين المجموعتين المجتمعيتين، بدأت أتحمّل بعض المسؤوليات ضمن مشاريع مجتمعية تستهدف الأطفال والشباب. وفي عمر لاحق، زادت مسؤولياتي ضمن هاتين المجموعتين، وأخذت تتطوّر لدي مهارات كالإصغاء والمتابعة وخدمة الناس داخل مجتمعي.

لاحظ من حولي أن شخصيّتي تتناسب كثيراً مع العمل الاجتماعي، وكان تشجيعهم محفزاً لي كي أسعى لمزاولة مهنة في هذا المجال، فنلتُ درجة الماجستير في العمل الاجتماعي، وانخرطت مباشرةً في العمل. وسرعان ما وقعت في حبّ ما أقوم به. لقد كان تأثير العمل الاجتماعي على حياتي عميقًا. ويشرّفني اليوم أن أشغل منصب مسؤولة مكتب التنمية المحليّة في بلدية الشياح والإختصاصية في العمل الاجتماعي، منذ العام 2011.

إثر حرب تموز 2006[1] تعاونتُ مع البلديات المحلية في تنفيذ مشاريع إنمائية. وفي العام 2021، وكجزء من مشروع “هيئة الأمم المتحدة للمرأة”*، اتصل بي المركز المهني للوساطة في جامعة القديس يوسف وتم اختياري، بعد مقابلة لتقييم الكفاءة، كي أشارك بسلسلة من الدورات التدريبية على الوساطة تمتد لتسعة أشهر. وفي خريف العام 2022، أطلَقْتُ بالتعاون مع ثلاث نساء أخريات، تلقّينَ هنّ أيضاً التدريب على الوساطة، مبادرة وساطة محليّة داخل مجتمعي المحلي، أي في الشياح، وهي منطقة تقع على ما يعرف بخط التماس خلال الحرب الأهليّة في لبنان (1975-1990)؛ والهدف من هذه المبادرة هو إشراك الشباب والشابات، النشط، كعنصر من عناصر التغيير الفاعلة في تعزيز السلام الإيجابي في المجتمعات المحلية.

لقد رأيتُ في ذلك فرصة للمساهمة النشطة في بناء سلام إيجابي داخل مجتمعي. فانتهزتُ الفرصة بكل ما أوتيت من قوة، واخترتُ التركيز على مجتمعي في الشيّاح ، لكسر الصور النمطية السلبية التي لا تزال تَصِمُ هذا المجتمع. فوضعتُ مهاراتي المكتشفة حديثًا حيز التنفيذ، وبدأتُ بإجراء سلسلة من الاتصالات، وقمت بتحديد الجهات الشبابية التي من الممكن أن تشارك.

وهكذا، أطلقت مبادرة للوساطة للشباب والشابات، هدفها الأساسي خلق مساحة آمنة للحوار والتفاعل فيما بينهم. كانت النتيجة أن جمعت المبادرة 15 شابًا وشابة (15-20 عامًا) من مختلف الثقافات والجمعيات الأهلية في المنطقة، للمشاركة في العمل الاجتماعي. وباعتبارنا نساء تدربن على الوساطة، فقد قمنا بتصدّر الجهود المبذولة، وترأسنا أربع جلسات، استمرت كل منها لثلاث ساعات، تم التركيز خلالها على التواصل الإيجابي وإدارة النزاعات والوعي الذاتي، وما يتخلّل ذلك من سبل لتعزيز قبول الآخر، والتخفيف من النزاعات مهما كان الاختلاف.

خلال الجلسة الأولى، أظهر الحضور اختلافًا في الآراء، ولكن بفضل مهارات الوساطة التي اكتسبناها حديثا ومع سير الجلسة، تمكنّا من مساعدة الشباب والشابات على التفاعل والمشاركة. في هذا الفضاء الآمن، استطاعوا/ن جميعاً أن يعبروا/ن عن أنفسهم/ن بحرية، وتشاركوا/ن التجارب الشخصية والعاطفية. وقد انتابني شعور رائع بالفخر وأنا أرى كيف أصبحوا/ن يعبرون/ن عن أنفسهم/ن بسهولة.

لم يصبح المشاركون/ات أكثر انفتاحًا وتعبيرًا فحسب، بل أدركوا/ن تماماً هذا الأثر الإيجابي، ونقلوه إلى داخل يومياتهم/ن ومجتمعاتهم/ن. وقد أثبت الشباب والشابات أنفسهم/ن كعوامل إيجابية للتغيير، وحرصوا/ن على إحداث تغيير في البيئات التي نشأوا/ن فيها، من خلال نشر ما اختبروه في محيطهم ومنظماتهم. ولا يزال الشباب والشابات الذين/اللواتي شاركوا/ن يسهمون/ن في المشاريع المشتركة كلما وجهت إليهم/ن الدعوة. وقد لاحظنا أن الكثير منهم منفتحون على التغيير.

الوساطة، بالنسبة لي، هي بناء السلام على نحو سلمي. بفضل هذه المبادرة، أصبحت أدرك تماماً ما هي العناصر الرئيسية المجتمعية والفردية التي تتطلبها الوساطة، إنها الحياد، والاستماع النشط، والموضوعية، والفهم العميق للتعقيدات الكامنة في النزاعات، سواء كان ذلك على مستوى المجتمع المحلي أو على مستوى الأفراد.

وللمضي قدمًا، فإن النجاح في إشراك الشباب والشابات وبناء الثقة يكمن في قدرتنا على الإصغاء إليهم/ن وفهمهم/ن. بصفتي إختصاصية في العمل الاجتماعي ووسيطة ومدافعة عن المشاركة المجتمعية، فقد قطعت عهداً على نفسي أن أوصل أصوات الشباب والشابات وأضمن تحقيق تطلعاتهم/ن. آمل أن نتمكّن من مواصلة رحلة التمكين والسلام والتحول الإيجابي في الشياح وخارجها.

أعتقد أن ما يميز النساء في مجال الوساطة هو قدرتهن على هدم الانقسامات، وتعزيز الثقة، والإصغاء والاهتمام بكل صدق. إن دور النساء كوسيطات وبانيات سلام لا يقدّر بثمن، خاصة عندما يتعلق الأمر بحل النزاعات ومنعها، وإعادة بناء الثقة داخل المجتمعات. من المهم للغاية عدم إغفال أصواتنا، كنساء، في هذا المجال الحيوي”.

  • كوزيت هي واحدة من 240 وسيطة محليّة يقدن بنشاط مبادرات الوساطة لمجتمعيّة في جميع أنحاء لبنان، وذلك كجزء من مشروع “هيئة الأمم المتحدة للمرأة” بعنوان «المرأة والسلام والأمن في المنطقة العربية، المرحلة الثالثة»، والذي ينفّذ بالشراكة مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، المركز المهني للوساطة في جامعة القديس يوسف (CPM-USJ) ومنظمة إنترناشونال ألرت، بدعم سخي من حكومة فنلندا.

[1] استمرت حرب تموز 2006 لمدة 33 يومًا وقد أودت بحياة 1149 شخصًا في لبنان.